(كم بغت دولة على وجارت ثم زالت وتلك عقب التعدى ) الجميل أن كل المستمعرين تبقى منهم عشاق لمصر عاشوا فيها ومازالوا ، ويزيدون حتى ان منهم تحولوا بالفعل لمصريين ، وتعالوا شوفوا نهاية اللى بيتهيأله انه يقدر ياخدها لنفسه بشويش بشويش بالراحة بالراحة " (من كتاب مصر ولع فرنسى - روبير سولييه ، ترجمة لطيف فرج - ولع فرنسى كتاب يرصد حالة عركة استعمارية على الارض المصرية بالحب والحنية )
-1-
المصرى ذلك الطفل الكبير
وصف دليل "لوجيد جان " السياحى المصريين فى عام 1894 بقوله : " جوهر الطبع المصرى هو الطيبة المتهاونة ، والميل نحو قبول كل شىء بلا تذمر .. الرضا بالأمر الواقع مهما ان كان " ولم يكن ما قاله أوجين فرومنتان (كاتب فرنسى 1820-1876) عن المصريين يختلف كثيرا :"هذا الشعب وديع ، ومرح الى أقصى حد بالرغم من بؤسه ومن خضوعه .أنه يضحك من كل شىء ولا يفور غضبا ، صوته مرتفع ويصرخ كما يكثر من الإشارات والحركات مما يجعلنا نعتقد انه غاضب ، فى حين أنهم يضحكون " وكتب فرومنتان: " هل هو شعب مجتهد ؟" لا اعتقد ذلك ، لايوجد سوى عاطلين عن العمل فى كل مكان ، الريف كما فى المدن " إنه شعب متسول :" إنهم شحاذون بالسليقة ، وكلمة "بقشيش" توجز مفردات اللغة المعتادة ، كما أن حركة مد اليد هى مجمل حركاتهم الإيمائية . إنهم يطلبون إحسانا ويلحون فى الطلب ويتابعونك بقولهم"بقشيش" "بقشيش" وينتظرون منك أن تعطيهم ، وحين تعطيهم يطلبون مرة أخرى ، لا يكلفون أنفسهم شيئا ، صبورون بصورة استثنائية ، كما أن تطفلهم بلا حدود ، لا توجد لديهم ذمة أو حياء بشرى " ثم نشر فى عام 1893 الدوق دراكور (كاتب فرنسى 1881-1965) كتاب "مصر والمصريون " وهو كتاب ملىء بالضلال ومشحون بالشتائم والازدراء ، وعلى مر الصفحات تقرأ ملاحظات مثل " السمة المميزة للجنس المصرى هى القدرة على تلقى الضربات .. أنه جنس بائس ! ويحكم عليه تخاذله بأن يكون مستغلا ومستنزفا بصفة دائمة من جانب الأجانب " ونقرأ له أيضا " يتكون مجموع السكان من عبيد ، ولا يحمل هذا الاسم غير خدم الأغنياء وحدهم ، وهم فى عبوديتهم أقل تعاسة من الآخرين " ولو أنهم طمحوا الى المعرفة وحاولوا النهوض ! من الامور الشائعة لدى المصريين عدم الاكتراث بالحقيقة ، إنهم يرغبون فى ألا يعرفوا وألا يفهموا ، ويبدوا أنه لا يمكن جعلهم يشعرون بقيمة الحقيقة ولا بشرف المعرفة والفهم ".
)مجتزأ من احد فصول مصر ولع فرنسى ، المصرى هذا الطفل الكبير وفيه يرصد الكاتب روبير سوليه بعض ما جاء على لسان كتاب فرنسيون سبقوه فى الكتابة عن مصر ولكن بشكل سلبى ، وهو يدافع فى الكتاب ، وسأنشر لكم باقى السلبيات على لسان الكتاب الاخرين ، وسأنشر لكم دفاعه أيضا "
-2-
السبت الأسود – من حرق القاهرة ؟
ليس فرنسيو مصر هم الوحيدين الذين يتحسرون على الملك فؤاد ذى الشارب الذى قد يثير السخرية ، انهم يسمعون ويقرؤون أشياء كان يصعب تخيلها قبل عشرة أو خمسة عشر عاما ، فالشيخ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين يهاجم الإنجاز الذى يفخرون به ، ويقول " إن قناة السويس هى السبب فى جميع الويلات التى حلت بشعبنا ، وفى فقدانه معنوياته وخضوعه للمستعمرين ، وإهماله لواجباته الدينية " وكان ألبنا قد أسس هذه الجماعة التمامية فى مدينة الإسماعيلية عام 1929 وهو يرى أن القناة " هوة تقطع طريق حجاج أفريقيا المتجهين الى مكة وتشطر فتوحات الرسول وخلفائه الى جزئين " وعائقا "يبرر استيلاء الأجانب على اراضينا " كما انه يوحد تهديدا " من السهل علينا إغلاقها ، هذه القناة الملعونة ! فلن يفعل كل أخ من أخواننا أكثر من إفراغ كيس رمل فى الطريق المائى الى حفره أجدادهم بأيديهم ".
وفى أكتوبر 1951 قررت الحكومة المصرية إلغاء المعاهدة المصرية – البريطانية فى حين قام فدائيون وطنيون مسلحون بإنهاك القوات البريطانية المنسحبة الى برزخ السويس ، وقع هجوم أخر فى يناير التالى مما نقل هذه الحرب الخفية الى قلب مدينة الإسماعيلية تحت نظر الفرنسيين المذعورين . وجه البريطانيون إنذارا إلى قوات الشرطة المعاونة " البلك نظام " المتهمين بالتعاون مع الفدائيين ، أصدر وزير الداخلية المصرية امرا بالمقاومة ، وقع هجوم بريطاني على الشرطة المصرية ، مما أدى الى مقتل حوالى خمسين شخصا ، وكان هذا كفيلا بالوصول الى ما يتعذر إصلاحه .
وعقب ذلك وفى يوم السبت 26 يناير 1952 ، هبت رياح غاضبة على القاهرة ، اقتحمت المحلات التجارية والفنادق والمقاهي ودور السينما ، كل ما هو أجنبى أو ما قد يبدو بأنه كذلك – مجموعات صغيرة منظمة وجدت معاونة من الجماهير ، البوليس لم يتدخل ، احترقت اجمل دور السينما بالقاهرة الواجدة تلو الأخرى ، ريفولى ومترو وديانا ، ثم نهب محلات كبيرة مثل شيكوريل ، وأفرينو رموز الثراء الاوربى ، وذلك قبل اشتعال الحرائق فيها ، لاقى محل جروبى الشهير المصير ذاته ، حاول نزلاء فندق شبرد الهروب من الجمهور الهائج ، فى حين تحول صالون الفندق ألي أتون مشتعل . ورجال إطفاء الحرائق ، حين قاموا بالتدخل تم قطع خراطيمهم ، بد أن البعض يغذون النار ، بدلا من السعى إلى إطفائها ، تم احتراق تسعة من الانجليز إحياء ، فى حريق نادى سباق الخيل ، على الأرجح وقع عشرات الضحايا ، وفى النهاية قررت قوات الأمن التدخل لتطلق نيرانها عشوائيا ، حدث تخريب فى مئات العمارات من بينها الغرفة التجارية الفرنسية .
من الذى أشعل حريق القاهرة ؟ من الذى حرض وشجع بل وحتى نظم هذه الفتنة الدموية ، أن أحدا لا يعرف وتم اتهام الجميع الواحد بعد الآخر ، الإخوان المسلمين ثم وزير الداخلية ، والملك ، الذى دعى رؤساء البوليس لحفل غذاء طويل الأمد بقصر عابدين ، احتفالا بمولد ابنته ، وفيما هو أبعد من الموجهين السياسيين ، والمتطرفين والنهابين ، شهدت القاهرة خلال هذا السبت الأسود ما وصفه جان وسيمون لاكوتور ، بأنه " انفجار ضغينة انتقامية لدى شعب تم تحديه فى بؤسه الذى لا يحتمل ، من جانب بذخ البلاط و الأجنبى ، ومهما كان المحرض " فالدولة التى سمحت بذلك هى دولة ميتة " ولن يطول الأمد للتحقق من صحة ذلك .
-3-
الساحرة طاردة الغزاة بالحب
ومن الأشياء التى تؤكد أن مصر جذابة لدرجة غير مفهومة ، وان مستعمرها دائما يقع فى غرامها ويتحول لاجل الدفاع عنها وليس مقاتلة شعبها ، ستجد له أدلة فى كتاب ولع فرنسى أيضا و الذى يحكى عن انه كيف كان الفرنسيون يتعاملون مع مصر بحكم إنهم مواطنين لدرجة إنهم كانوا يتهكمون على المستعمر الانجليزي وكأنه مستعمرهم هم ، فيقول روبير سوليه " كانت صحيفة "بوسفور اجبسيان" التى انشئت عام 1880 من أكثر الصحف التى عانت منها السلطات الانجليزية ، كان توزيع هذه الصحيفة اليومية يصل الى 500 نسخة وهو توزيع محترم بمقاييس ذلك الزمان ، كان يدير هذه الجريدة رجل رهيب من مارسيليا والذى لم يكن قلمه موهوبا ومجادلا فحسب بل وكان هو ذاته من أكثر أعضاء المجتمع القاهرة نفوذا ، إنه أوكتاف بوريللى الذى وصل الى مصر عام 1879 وكان يعمل محاميا ومستشارا بوزارة المالية ورجل أعمال وعضوا بجمعيات علمية عديدة ، ومؤسسا مشاركا فى لجنة تعضيد التعليم الفلسفى العلمانى ، كان يحمل لقب البكوية ووسام جوقة الشرف الفرنسى ونصف دستة من الأوسمة الأجنبية ، إنه محب لوطنه الفرنسى لا تتغاضى مقالاته الافتتاحية عن شىء يتعلق بالانجليز ويقوما يوما بعد يوم بتحليل أعمالهم بدقة كى لا يدينها ، لم يستطع القنصل البريطانى كليفورد لوريد ان يحتمل تجريج هذه الجريدة اليومية أكثر من ذلك فهى تتهكم عليه حتى فى مواقفه المعادية للرق ( خدوا بالكم أن التهكم والسخرية سلاح قوى منذ زمممممممممممممن طويل أوى ) فاستصدر قرارا وزاريا فى عام 1884بمنع صدورها ، وسرعان ما هاجمت نوبار باشا رئيس الوزراء المعتبر بأنه رجل الانجليز مما ادى الى حظر صدورها مرة أخرى ، تدخلت قنصلية فرنسا فى الأمر وتبادلت برقيات دبلوماسية عديدة مع باريس ، واتخذ النزاع بشأن جريدة البوسفور سمة رسمية مع الدولة وفى النهاية اضطر نوبار باشا الى تقديم اعتذاره الى الجريدة التى عادت الى الظهور
وكان فرنسيو مصر يستمتعون بميزة عذبة هى الانتفاع بالحياة الاستعمارية دون اعتبارهم استعماريين ، بل وحتى يمكنهم تنصيب أنفسهم كخصوم للمحتل ، وكانت إحدى مفاخرهم العظيمة ، جريدة الاجيبشيان جازيت " انها الجريدة اليومية الوحيدة التى تصدر بالانجليزية لكنها تضطر فى الواقع إلى نشر نصف صفحاتها باللغة الفرنسية حتى تحصل على عدد كاف من القراء ، هل يوجد دليل أكثر وضوحا على هيمنة إحدى اللغتين على الأخرى ؟ أما بالنسبة للصحف الفرنسية فأن عددها يزداد بانتظام : " لا ريفورم" (1984) " ليكو دوريان" 1896" لوكورييه ديجيبت" 1897 "لوجورنال دى كير " 1904 "لابوص اجيبيسين "1898" ليه بيرامييد"1897" " لو بروجريه اجيبسيان (تصدر حتى الان من جريدة الجمهورية )هذا بالإضافة إلى مجلات عديدة أخرى .
وفى عام 1891 تم تكوين ناد فرنسى فى القاهرة فى فندق خاص جميل فى مواجهة حديقة الأزبكية ، ويقول هذا الرحالة ، " كان جميع الأعضاء تقريبا يجتمعون يوميا فى النادى ، إنهم يلعبون ويشربون ويقرأون ويفرطون خاصة فى الحديث ، وكانت الصجف الفرنسية التى تصل حديثا بالبريد ، تثير مناقشات عديدة ، لقد قام هذا النادى بالتقريب بين جميع الفرنسيين المبعثرين ، ويحشد قواهم وأصبح مركزا للمقاومة ضد جميع القوى المعادية .
وكان يتم ابراز أقل خطأ يرتكبه الانجليز بشجاعتهم ويسعون نحو التراشق وإثارة المشاحنات فى الحانات "وقام اللورد كرومر بمنع ضباطه وموظفيه من الرد على الاستفزازات ، ومع ذلك تولى احد معاونيه وهو سير الفريد ميلز ، بإلزام مثيرى الشغب حدودهم ،ويعترف ميلنر بأن بلاده أخلت بوعدها بالجلاء عن مصر ، ويعزو ذلك الى خطأ أساسي (كنا نظن بانه ليس علينا إلا قمع ثورة عسكرية " ها واخدين بالكم يا جماعة بيقول ايه (كنا نظن بأنه ليس علينا الا قمع ثورة عسكرية ) والحال أن جوهر الموضوع يتعلق "بالفساد العمييييق فى النظام الحكومى " واستهدفت الإصلاحات تعديل الأوضاع بينما كانت فرنسا تستغل كل مناسبة لمعارضة هذا الإصلاح ، ( المستعمرين كانوا بيتخانقوا على تظبيط أوضاع مصر ) وكانت معارضتها تشتمل على إثارة إزعاجات دنيئة وارتكاب "نقائص خطيرة ، وهكذا حاولت تعطيل إلغاء السخرة ومنع فرض ضرائب على الأجانب بطريقة عادلة ، فى الوقت الذى " كانت فيه موضع سخرية لأنها احتفظت بخدمة بريدية خاصة فى مصر فى حين كانت جميع الدول الكبرى الأخرى قد تخلت عن هذه الميزة المتخلفة و يعترف ميلنر بأن الفرنسيين كانوا "روادا للنفوذ الاوروبى " فى وادى النيل ، لكن يجب عليهم ألا ينسوا بأنه " توجد حقوق خاصة أيضا لأمم أخرى " تجعلها تهتم بهذه البلاد ، مثل النمسا التى تتساوى تقريبا مع فرنسا فى قيمة تجارتها مع مصر ، أو اليونان وايطاليا اللتين لديهما رعايا فى مصر أكثر عددا من رعايا فرنسا ، ومن جهة أخرى فأنه من غير الممكن بأن تكون فرنسا غير مبالية فإذا كانت قد قامت بأعمال طيبة ، إلا انها ارتكبت أيضا شرورا كثيرة " فقد التهمت قناة السويس الملايين من الأموال المصرية ، كما أودت بحياة الآلاف من الضحايا المصريين ".
وأخيرا وليس أخرا ، لا توجد لدى الفرنسيين مروءة ، ويؤكد ميلنر بأنه حينما " كنا نقوم معا بإدارة البلاد " كانت باريس تبتغى
(استنزاف المدين المصرى حتى أخر فلس " بينما كانت لندن تطالب "ببعض الرعاية " لهذا الشعب البائس ولم يخف هذا على رجال الدولة المصرية الذين يشعرون "بمقت شديد" تجاه السياسة الفرنسية ، وها نحن نرى النتيجة :لقد فقدت فرنسا نفوذها لدى الطبقات المتعلمة ، فى حين كان يمكنها ممارسة "نفوذ ضخم " فى مصر بسبب لغتها وثقافتها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق